cla-label

أعادة تركيز النقاش في قطاع التربية

 

في قطاع التربية أصبحنا نعيش ما نعتبره التهليل والتباهي بالتوافق المغلوط، من خلال جعل ميثاق أخلاقيات المهنة عنصرا أساسيا في الاستراتيجيات الموجهة لخلق مدرسة ذات نوعية ومستقرة، فالسيدة  بن غبريط  وزيرة التربية الوطنية وعوض تكريس سياسة التواصل والاتصال البناء، لجأت إلى ما نراه نوعا من “الإشهار” لسياستها تواطأت فيه بعض وسائل الإعلام، وتناست بل وتغافلت الانشغالات العميقة واليومية لنظام التربوي التي يطرحها الفاعلون الرئيسيون في قطاع التربية.

هذا الصيّاح غير المسبوق الذي صاحب عرض ميثاق أخلاقيات المهنة لا يعكس سوى هروب إلى الأمام، للتغاضي عن المشاكل الحقيقية التي يعيشها القطاع، والتي أغرقت الجميع في ساحة  نقاش مغلوطة تمّ التخطيط لها بشكل مُسبق، وعن وعي وسبق إصرار وترصد، 

إن حالة الترهُّل والتدهور التي تُوجد عليها غالبية المؤسسات التربوية، ونقص التأطير، واستفحال العنف في الوسط المدرسي واستفحاله، إضافة إلى الاكتظاظ في الأقسام، والتأخر في استلام الهياكل التربوية الجديدة، والتأخر في تسديد الأجور، يضاف إليها عدم كفاءة المسؤولين على المستوى المركزي والمحلي، كُلّها أسباب كانت وراء اندلاع أكثر من 1000 حركة احتجاجية عاشها القطاع منذ بداية الدخول المدرسي 2015/2016، والأوضاع الحالية كلها تنذر باندلاع المزيد من الاحتجاجات.

– إن انشغالات قطاع التربية  التي تطرحها العديد من النقابات ومن بينها نقابتنا “مجلس ثانويات الجزائر”  والتي على رأسها القدرة الشرائية والقانون الخاص والتقاعد، تعمل الوصاية على طمسها وتبرير عدم الاستجابة إليها،  بإثارة ما تدّعي أنه “الخطر الداخلي والخارجي”، “سياسة التقشف”، “سيادة الدولة”، “العولمة”، بالإضافة إلى مصلحة التلميذ، والأفدح في ردأت فعل الوزيرة بن غبريط، أنها وبالإضافة إلى هذه التبريرات الواهية، تلجأ إلى إرهاب الأساتذة المضربين  بالاقتطاع من الأجور، بحجة أن الإضراب غير شرعي، بل وتُهدّد بطرد المضربين، وهكذا أصبحنا نرى بجلاء أن هذه الوسائل الترهيبية، باتت تُشكل محور سياسة  التسيير الاستبدادي لوزارة التربية.

الكّل أصبح واعيا بأنّ المدرسة الجزائرية مريضة وليست بخير،  وأن التحدي الراهن لا يخص قطاع التربية لوحده، بل يتعدّاه إلى المجتمع ككلّ.

من هذا المنطلق، يتوجب تجند الجميع  للدفاع عن مدرسة عمومية ذات نوعية ومستقرة، لضمان تعليم هادف وواعد  لتلاميذنا، بعيدا عن الحسابات السياسية والمساومات الرخيصة، والحال كذلك يتوجب على كل الفاعلين الإسهام بحسب مسؤولية كل واحد، في تحقيق هذا المكسب.

برأينا أنه من اللازم وضع خارطة طريق، تُحدّد وتُعرّف إلتزامات كل الفاعلين في القطاع، وألا نتستّر وراء ما سُمّي بميثاق الأخلاقيات.

نحن بحاجة إلى تشكيل رؤية على علاقة بمشروع تربوي، مبني على المبادئ، كمبدأ “المعرفة للجميع”، وعلى القيم الإنسانية، والتطور، وتسيير شفاف وديمقراطي للمدرسة الجزائرية.

لماذا نقول لا لميثاق الأخلاقيات؟

من ناحية الشكل، فإن ميثاق أخلاقيات المهنة يخص المهن الحرّة كالمحاماة والأطباء والموثقين … على اعتبار أن هذه المهن لا تخضع للوصاية، إضافة إلى أن هذه المهن لا تخضع لقانون خاص، عكس الموظفين الذين يخضعون لقانون الوظيفة العمومية، والقانون الخاص لكلّ قطاع، إضافة إلى فانون داخلي خاص بكلّ مؤسسة .

الميثاق الوحيد لمهنة موظفي القطاع العام هو قانون الوظيفة العمومية، وقانون العمل، وقانون التوجيه بالنسبة لقطاع التربية

وبالتالي فنحن لسنا بحاجة إلى ميثاق هو سياسي أكثر منه مهني. تعم نحن بحاجة إلى ميثاق تربوي الذي يجسد مشروع المدرسة التي نريدها بعد نقاش ديمقراطي يشمل كافة الفاعلين في القطاع والمجتمع ككل.

في العمق فإن ميثاق الأخلاقيات هو موجه للرأي العام، لتحميل مسؤولية عدم استقرار المدرسة للنقابات. وتجريمها في أعين المجتمع وبخاصة أولياء التلاميذ، وكلّ ذلك لمنع النقابات من ممارسة حقهم الدستوري والديمقراطي،  وبالتالي ضمان موسم دراسي بدون مشاكل.

إننا نرى في هذه السياسة أنها تسعى للتعتيم على المشاكل العميقة للقطاع، كظروف العمل المزرية للأساتذة، والاكتظاظ، والبيداغوجية المنتهجة التي حوّلت التلميذ إلى عنصر سلبي وجامد لا يُبادر بالإبداع، فهذا كله غير مهم بالنسبة للوصاية.

ما يهم وزارة التربية هو فقط تمرير مشروع إصلاحاتها لا غير، والذي يسير بالمدرسة الجزائرية نحو تحريرها وفتحها أمام القطاع الخاص.

بالاستناد إلى سياسة تضخيم الخوف داخل المدرسة وحولها، برغم أننا نشهد بحق وجود هذا الخوف، لكن ليس بالحجم الذي تُصوره وزارة التربية، فإن الوزارة تهدف إلى إنتهاج سياسة أمنية مُبالغ فيها، ستعتمد على اللجوء إلى كاميرات المراقبة وشركات الأمن الخاصة، وهذا عوض توظيف مؤطرين مؤهلين لإدارة وتسيير المؤسسات التربوية.

الأخطر من ذلك كله أننا نلحظ مسعى وزارة التربية لشرعنة الدروس الخصوصية عوض تحسين ظروف العمل داخل المؤسسات التربوية،

مسؤولو قطاع التربية لا يفحصون عمّا يقومون به، بل ولا يقومون بتجسيد ما يقولونه.

من حيث المبدأ فإن ميثاق أخلاقيات المهنة موجّه بالأساس إلى الموظفين إن نحن إفترضنا أن الموظف بحاجة إلى ميثاق لأخلاقيات المهنة، لكن من الغريب تماما أن نفرض على النقابات الخضوع لهذا الميثاق، لأنه وببساطة، عمل النقابات موجه بالأساس ضدّ أرباب العمل، وبخصوص نقابات التربية فنضالها موجه بشكل مباشر باتجاه الوصاية.

إن الشراكة ليست مؤسسة على تذويب الأدوار، ولكن على احترام  هوية كل طرف، والنقابات من المفروض عليها أن تحافظ على ذلك.

نعم من أجل خارطة طريق مُتفاوض عليها

هدفنا كنقابة قبل كلّ شيء هو الوصول إلى تكريس وتجسيد مفهوم مدرسة عمومية جزائرية مستقرة وذات نوعية، مفتوحة على الكل، وتعطي فرص النجاح لكل أبناء الجزائر، حيث التلميذ يكون هو محور الاهتمام وليس مجرد رهان مناسباتي.

وبالتالي فإن نقابتنا ترى أن تحقيق هذه الأهداف لن يتمّ إلا باعتماد خارطة طريق متفق عليها، وتأخذ بعين الاعتبار:

+ الظروف البيداغوجية

+ الظروف الاجتماعية والمهنية

 + ظروف التكوين والتأطير

نحن هنا نُشهد الرأي العام بخصوص التزامات كلّ الأطراف بحسب مسؤولياتهم  وصاية ومنظمات ونقابات… وبخصوصنا كنقابة مجلس ثانويات الجزائر نجدد التأكيد على مواقفنا ورفضنا التوقيع على ميثاق الأخلاقيات، وندعو بالمقابل إلى نقاش حقيقي حول إيجاد حلول حقيقية وجادة للخروج من الأزمة التي يعيشها قطاع التربية، إن الظرف قد حان لتستمع السلطات لانشغالاتنا وانشغالات القطاع، وليس لمُمارسة القمع وتكميم الأفواه.

في الكلا نقول، نكتب و نفعل ما نعتقد

ع/ المكتب الوطني